بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الحمد لله العلي القدير ، خالق السماوات والأراضين ، أحمده سبحانه وأشكره على ما منّ علينا من النعم ظاهره وباطنه ، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ... أما بعد :
فإن كتاب الله عظيم ، يرفع الله بهذا الكتاب أقواما ويضع بها آخرين ، فهو كلام الله القدير لا مخلوق ولا أساطير الأولين .. لذا كان السلف رحمهم الله يعظمونه ، ويؤدبون من استهان به ..
لذا أحببت أن أضع تحت أيديكم بعض حُرُمات القرآن ، وهذه الحرمات استخرجتها من تفسير القرطبي ، وذكرتها في سلسلتنا الذهبية الثانية والتي بعنوان ( سلسلة فوائد مستخرجة من تفسير القرطبي رحمه الله ) ، وأحببت أن أنبّه الإخوة بأني قد تصرفت في نقل هذه الحرمات حتى تظهر على صورة ممتازة ، وحتى يتمكن القارئ من حفظها ونشرها ، وكم فرحت عندما رأيت بعض الفوائد التي كتبتها في مواقع أخرى ، فأشكر الأخوة الذين ساهموا في نشر هذه الفوائد بين الناس وأشكرهم على جهودهم المبذولة تجاه الإسلام عامة وللدعوة السلفية خاصة .. والآن أترككم مع هذه الحرمات ..
فصل في بيان حُرُمات القرآن : نقل الإمام القرطبي من كتاب نوادر الأصول للترمذي الحكيم أبو عبد الله بعض حُرُمات القرآن ، فمن حُرمة القرآن :
1. ألا يمسّه إلا طاهر .
2. ومن حرمته أن يقرأه وهو على طهارة .
3. ومن حرمته أن يستاك ويتخلّل فيطيب فاه ، إذ هو طريقه . قال يزيد بن أبي مالك : ( إن أفواهكم طرق من طرق القرآن ، فطهِّروها ونظِّفوها ما استطعتم ) .
4. ومن حرمته أن يتلبّس كما يتلبس للدخول على الأمير لأنه مناج .
5. ومن حرمته أن يستقبل القبلة لقراءته. وكان أبو العالية إذا قرأ اعتمّ ولبس وارتدى واستقبل القبلة
6. ومن حرمته أن يتمضمض كلّما تنخّع ، روى شعبة عن أبي حمزة عن ابن عباس : أنه كان يكوّر بين يديه تور ( أي : إناء ) إذا تنخّع مضمض ، ثم أخذ في الذكر ، وكان كلّما تنخّع مضمض .
7. ومن حرمته إذا تثاءب أن يمسك عن القراءة لأنه إذا قرأ فهو مخاطب ربه ومناج ، والتثاوب من الشيطان . قال مجاهد : ( إذا تثاءبت وأنت تقرأ القرآن فأمسك عن القرآن تعظيما حتى يذهب تثاؤبك ) . وقال عكرمة : ( يريد أن في ذلك الفعل إجلالا للقرآن ) .
8. ومن حرمته أن يستعيذ بالله عند ابتدائه للقراءة من الشيطان الرجيم إن كان ابتدأ قراءته من أول السورة أو من حيث بلغ .
9. ومن حرمته إذا أخذ في القراءة لم يقطعها ساعة فساعة بكلام الآدميين من غير ضرورة .
10. ومن حرمته أن يخلو بقراءته حتى لا يقطع عليه أحد بكلام فيخلطه بجوابه لأنه إذا فعل ذلك زال عنه سلطان الاستعاذة الذي استعاذ في البدء .
11.ومن حرمته أن يقرأ على تؤده وترسيل وترتيل .
12.ومن حرمته أن يستعمل فيه ذهنه وفهمه حتى يعقل ما يخاطب به .
13.ومن حرمته أن يقف على آية الوعد فيرغب إلى الله تعالى ويسأله من فضله ، وأن يقف على آية الوعيد فيستجير بالله منه .
14.ومن حرمته أن يقف على أمثاله فيتمثلها .
15.ومن حرمته أن يلتمس غرائبه .
16.ومن حرمته أن يؤدي لكل حرف حقّه من الأداء حتى يبرز الكلام باللفظ تماما . فإن له بكل حرف عشر حسنات .
17.ومن حرمته إذا انتهت قراءته أن يصدّق ربه ويشهد بالبلاغ لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ويشهد على ذلك أنه حق ، فيقول : صدقت ربنا وبلّغت رسلك ، ونحن على ذلك من الشاهدين اللهم اجعلنا من شهداء الحق ، القائمين بالقسط ثم يدعوا بدعوات .
ملاحظة : ( قلت : أي أبو خُبيب ) : تنبّه أخي الكريم بأنه لا يجوز أن تقول بعد الانتهاء من قراءة القرآن : ( صدق الله العظيم ) لأنها بدعة لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يرِد عن الصحابة ، وقد صرّح الشيخ ابن باز – رحمه الله - بأنها بدعة عندما سئل عنها ، وقال علاّمة اليمن مقبل بن هادي الوادعي – رحمه الله : ( وفي حديث ابن مسعود المتقدم الذي قال له النبي صلى الله عليه وسلم : ( حسبك ) دليل على أنه لا يشرع للقارئ إذا قرأ أن يقول بعد أن ينتهي : صدق الله العظيم . نعم صدق الله العظيم والله الصادق ، لكن ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقوله ) .
أما الدعاء بعد الانتهاء من قراءة القرآن ، فقد قال الشيخ محمد جميل زينوا – حفظه الله : (على القارئ أن يدعو الله بما شاء بعد القراءة ، ويتوسل إلى الله بما قرأه فهو من العمل الصالح المسبّب لقبول الدعاء .
18.ومن حرمته إذا وضع المصحف ألاّ يتركه منشورا ، وألاّ يضع فوقه شيئا من الكتب حتى يكون عاليا لسائر الكتب ، علما كان أو غيره .
19.ومن حرمته أن يضعه في حجره إذا قرأه أو على شيء بين يديه ولا يضعه بالأرض .
20.ومن حرمته ألاّ يخلي يوما من أيامه من النّظر في المصحف مرة ، وكان أبو موسى يقول : ( إني لأستحي ألا أنظر كل يوم في عهد ربي مرة ).
21.ومن حرمته أن يعطي عينيه حظّهما منه ، فإن العين تؤدي إلى النفس ، وبين النفس والصدر حجاب ، والقرآن في الصدر فإذا قرأه عن ظهر قلب فإنما يسمع أذنه فتؤدي إلى النفس ، فإذا نظر في الخط كانت العين والأذن قد اشتركتا في الأداء وذلك أوفر للأداء وكأن قد أخذت العين حظها كالأذن .
22.ومن حرمته ألا يتأوّله عندما يعرض له شيء من أمر الدنيا – حدثنا عمرو بن زياد الحنظلي قال : حدثنا هشيم بن بشير عن المغيرة عن إبراهيم قال : كان يكره أن يتأول شيء من القرآن عندما يعرض له شيء من أمر الدنيا – والتأويل مثل قولك للرجل إذا جاءك . { جِئْتَ عَلَى قَدَرٍ يَا مُوسَى }، ومثل قوله تعالى : {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } هذا عند حضور الطعام وأشباه هذا .
23.ومن حرمته ألا يقرأه بألحان الغناء كلحون أهل الفسق ، ولا بترجيع النصارى ولا نوح الرهبانية ، فإن ذلك كله زيغ .
24.ومن حرمته ألا يجهر بعض على بعض في القراءة فيفسد عليه حتى يبغض إليه ما يسمع ويكون كهيئة المغالبة .
25.ومن حرمته ألا يمارى ولا يجادل فيه في القراءات ، ولا يقول لصاحبه : ليس هكذا هو ولعله أن تكون تلك القراءة صحيحة جائزة من القرآن فيكون قد جحد كتاب الله .
26.ومن حرمته ألا يقرأه في الأسواق ولا في مواطن اللغط واللغو ومجمع السفهاء ألا ترى أن الله ذكر عباد الرحمن وأثنى عليهم بأنهم إذا مروا باللغو مرّوا كراما ، هذا لمروره بنفسه ، فكيف إذا مرّ بالقرآن الكريم تلاوة بين ظهراني أهل اللغو مجمع السفهاء .
27.ومن حرمته ألا يتوسّد المصحف ولا يعتمد عليه . ولا يرمى به إلى صاحبه إذا أراد أن يناوله .
28.ومن حرمته ألا يصغّر المصحف ، روى الأعمش عن إبراهيم عن علي رضي الله عنه قال : ( لا يصغّر المصحف ) ، قلت ( أي القرطبي ) : وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى مصحفا صغيرا في يد رجل فقال : ( من كتبه ؟ قال : أنا ، فضربه بالدرّة ، وقال : عظموا القرآن ) .
29.ومن حرمته ألا يتلى منكوسا كفعل معلمي الصبيان ، يلتمس أحدهم أن يرى الحذق من نفسه والمهارة ، فإن تلك مخالفة .
30.ومن حرمته ألا يقعر في قراءته كفعل هؤلاء الهمزيين المبتدعين المتنطِّعين في إبراز الكلام من تلك الأفواه المنتنة تكلّفا ، فإن ذلك محدث ألقاه إليهم الشيطان فقبلوه عنه .
31.ومن حرمته ألا يخلط فيه ما ليس منه .
32.ومن حرمته ألا يحلّى بالذهب ولا يكتب بالذهب فتخلط به زينة الدنيا ، وروى المغيرة عن إبراهيم : أنه كان يكره أن يحلّى المصحف أو يكتب بالذهب أو يعلم عند رؤوس الآي أو يصغر ، وعن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدبار عليكم ) حسّنه الألباني في صحيح الجامع .
33.ومن حرمته ألا يكتب على الأرض ولا على حائط كما يفعل به في المساجد المحدثة . قال محمد بن الزبير : رأى عمر بن عبد العزيز ابنا له يكتب القرآن على حائط فضربه .